عندما نفكر في تقنية البلوكتشين، نتخيل عادةً شبكة عالمية مفتوحة للجميع، تماماً مثل البيتكوين. لكن الحقيقة هي أن فكرة دفتر الأستاذ الموزع، التي شرحناها في مقال البلوكتشين، هذه ليست مقاساً واحداً يناسب الجميع.
فلا يتم إنشاء جميع شبكات البلوكتشين بنفس الطريقة أو لنفس الغرض. هذا الدليل سيشرح لك ببساطة ما هي أنواع شبكات البلوكتشين الأربعة الرئيسية، وما هو الفرق بين البلوكتشين العام والخاص، ولمن يُستخدم كل نوع.
لماذا توجد أنواع مختلفة من البلوكتشين؟
الإجابة البسيطة تكمن في مستوى التحكم و الإذن. السؤال الأساسي عند تصميم أي بلوكتشين هو: من يُسمح له بالمشاركة؟ ومن يُسمح له برؤية البيانات؟
فكر في الفرق بين مستند جوجل (Google Doc) عام يمكن لأي شخص على الإنترنت رؤيته والتعليق عليه، مقابل مستند جوجل خاص لا يمكن لأحد رؤيته أو تعديله إلا بدعوة منك.
كلاهما مستند على الإنترنت، لكن مستوى التحكم والإذن مختلف تماماً. بناءً على هذا المبدأ، تنقسم شبكات البلوكتشين إلى أربعة أنواع.
ما هي أنواع شبكات البلوكتشين؟
تنقسم شبكات البلوكتشين إلى أربعة أنواع رئيسية. كل نوع مصمم لهدف معين، وهي: البلوكتشين العام، البلوكتشين الخاص، بلوكتشين الكونسورتيوم، والبلوكتشين الهجين. لنبدأ بشرحها واحدة تلو الأخرى.
ما هو البلوكتشين العام (Public Blockchain)؟

البلوكتشين العام هو النوع الأكثر شهرة، وهو شبكة بلوكتشين مفتوحة بالكامل ولا تحتاج إلى أي إذن للانضمام إليها.
يمكن لأي شخص لديه جهاز كمبيوتر واتصال بالإنترنت الانضمام للشبكة والمشاركة في التحقق من المعاملات.
أفضل تشبيه لها هو الإنترنت أو ميدان عاملا أحد يمتلكه أو يتحكم به بشكل مركزي، والجميع يرى ما يحدث فيه.
هذا النوع هو الذي يحقق مفهوم اللامركزية بأصفى صورها، حيث لا توجد سلطة واحدة تتحكم في الشبكة. و
لتأمينها، تعتمد هذه الشبكات على آليات إجماع معقدة مثل إثبات العمل (PoW) الذي تستخدمه بيتكوين، أو إثبات الحصة (PoS) الذي تستخدمه إيثيريوم.
ما هو البلوكتشين الخاص (Private Blockchain)؟

البلوكتشين الخاص هو عكس العام تماماً، إنه شبكة بلوكتشين مغلقة وتتطلب دعوة وإذناً.
يتم التحكم فيها بالكامل من قبل جهة واحدة، مثل شركة أو مؤسسة، وهي التي تقرر من يمكنه الانضمام ورؤية السجلات.
فكر فيه كشبكة داخلية خاصة بالشركة. ولأن جميع المشاركين معروفون وموثوق بهم، تتميز هذه الشبكات بالسرعة العالية جداً والخصوصية التامة، فهي لا تحتاج لآليات إجماع معقدة ومكلفة لتأمينها.
ما هو بلوكتشين الكونسورتيوم (Consortium Blockchain)؟

هذا النوع هو حل وسط يُعرف بالبلوكتشين شبه الخاص أو بلوكتشين التحالفات. بدلاً من أن يتحكم بها شخص واحد (كالخاص) أو لا أحد (كالعام)، يتم التحكم في هذا النوع من قبل مجموعة من المؤسسات المتفق عليها مسبقاً.
تخيل مجموعة من 5 بنوك تقرر إنشاء شبكة مشتركة لإجراء التحويلات فيما بينها؛ هذه الشبكة ليست مفتوحة للعامة، ولكنها أيضاً ليست مملوكة لبنك واحد، بل تُدار بواسطة البنوك الخمسة معاً.
هذا التصميم يجمع بين درجة من اللامركزية (موزعة على عدة أعضاء) والكفاءة العالية (لأن الأعضاء موثوق بهم).
ما هو البلوكتشين الهجين (Hybrid Blockchain)؟

كما يوحي الاسم، هو مزيج ذكي يجمع بين العام والخاص.
هذه الشبكات ليست مفتوحة بالكامل وليست مغلقة بالكامل، بل تتيح للشركات تحديد ما هي البيانات التي تكون عامة ويمكن للجميع رؤيتها، وما هي البيانات التي تبقى خاصة ولا يطلع عليها إلا المصرح لهم.
تخيل مستشفى يستخدم بلوكتشين خاص لحفظ بيانات المرضى الحساسة (لضمان الخصوصية)، ولكنه في نفس الوقت يسجل ختماً رقمياً (Hash) لهذه السجلات على بلوكتشين عام (مثل إيثيريوم) كدليل ثابت على أن السجل لم يتغير.
بهذه الطريقة، نحصل على مرونة عالية تجمع بين خصوصية الخاص وثقة وأمان العام.
كيف يتم استخدام هذه الأنواع على أرض الواقع؟
إن اختيار نوع الشبكة يحدد بشكل مباشر استخداماتها:
- البلوكتشين العام: هو أساس العملات الرقمية المفتوحة (مثل بيتكوين) والتطبيقات التي تهدف لخدمة الجميع. وهو أيضاً البيئة التي يزدهر فيها التمويل اللامركزي (DeFi) وتعمل عليها العقود الذكية المتاحة للعامة، خاصة على شبكة الإيثريوم.
- البلوكتشين الخاص: مثالي للاستخدامات الداخلية للشركات. مثلاً، شركة شحن عالمية تستخدمه لتتبع منتجاتها من المصنع إلى المستهلك (سلاسل الإمداد) بسرية تامة، أو بنك يستخدمه لتسوية المعاملات الداخلية بين أقسامه.
- البلوكتشين الهجين: يُستخدم بكثرة في قطاعات مثل العقارات (لجعل ملكية العقار عامة، بينما تفاصيل العقد والسعر خاصة)، أو في إدارة السجلات الطبية (لإعطاء المريض تحكماً كاملاً بمن يرى سجلاته).
- البلوكتشين الكونسورتيوم: هو الخيار الأفضل للتعاون بين المؤسسات، مثل التحويلات المالية الدولية بين مجموعة من البنوك، أو لتوثيق شهادات بين مجموعة جامعات، أو لتبادل بيانات البحث العلمي بين مراكز أبحاث.
في النهاية
ما نستنتجه هو أن البلوكتشين ليس تقنية واحدة بقواعد ثابتة، بل هو فكرة يمكن تكييفها.
الفكرة الأساسية هي تسجيل البيانات بشكل آمن لا يمكن التلاعب به، لكن طريقة تطبيق هذه الفكرة تختلف.
أحياناً، يكون الهدف هو الشفافية الكاملة التي يراها الجميع، وهنا يبرز دور البلوكتشين العام.
وأحياناً أخرى، يكون الهدف هو السرعة والخصوصية التامة ضمن مجموعة مغلقة، وهو ما تقدمه الشبكات الخاصة والهجينة.
swapforless blog