فهم الفرق بين سعر العرض والطلب، كيف تقرأ الفجوة السعرية وتتجنب الخسائر الخفية؟

فهم الفرق بين سعر العرض والطلب، كيف تقرأ الفجوة السعرية وتتجنب الخسائر الخفية؟

بين السطور والأسواق قد يبدو كل شيء بسيطاً للوهلة الأولى: أسعار واضحة، أزرار “شراء” و”بيع” بارزة، ووعود بالربح السريع.

لكن هل سبق لك أن توقفت لتفكر فيما يحدث خلف الكواليس؟ في تلك الفجوة الصغيرة التي تفصل ما يدفعه المشتري عما يحصل عليه البائع؟ تلك الفجوة التي غالباً ما تمر مرور الكرام، لكنها تحمل مفتاح التداول الناجح.

إنها لعبة العرض والطلب – العمود الفقري لكل صفقة تجريها.

ولكن الأمر لا يتعلق فقط بالأسعار الظاهرة؛ بل بالمتغيرات الخفية مثل السبريد، ذلك الرقم الصغير الذي قد لا تلاحظه ولكنه يؤثر بشكل كبير على أرباحك.

في هذا المقال، سنأخذك في جولة داخل عقل السوق لنفهم الفرق بين سعر العرض وسعر الطلب، وكيف يمكنك استغلال هذه المعرفة لتجنب الخسائر غير المتوقعة وتحقيق أرباح ذكية.

ما هو سعر العرض (Bid Price)

ما هو سعر العرض (Bid Price)

سعر العرض، أو كما يعرف بالإنجليزية Bid Price، هو أقل سعر يرغب البائع في قبوله مقابل عملته الرقمية.

لنفرض أنك تريد شراء عملة رقمية مثل البيتكوين. عندما تفتح منصة التداول الخاصة بك، سترى قائمة طويلة من الأسعار المتاحة لشراء البيتكوين. السعر الأدنى الموجود في هذه القائمة هو ما نسميه “سعر العرض”.

لما نسميه سعر العرض؟ لأنه يمثل السعر الذي يرغب البائعون في عرض العملة الرقمية به، اي أنه الحد الأدنى الذي يقبل به البائعون مقابل التخلي عن العملة.

بمعنى آخر، إن كنت ترغب في شراء البيتكوين الآن، فستحتاج إلى دفع هذا السعر لشخص الذي يريد بيعه.

دعنا نتعمق في مثال على ذلك: إن كان سعر العرض للبيتكوين هو 30,000 دولار، فهذا يعني أن أرخص شخص يريد بيع البيتكوين سيطلب منك دفع 30,000 دولار لكل عملة. وإن كنت موافقاً على هذا السعر، يمكنك إتمام الصفقة على الفور.

ما هو سعر الطلب (Ask Price)

ما هو سعر الطلب (Ask Price)

سعر الطلب، أو كما يعرف بالإنجليزية Ask price، هو أعلى سعر مستعد مشتري ما لدفعه لك في تلك اللحظة، اي هو “الحد الأقصى” الذي يقبل به المشترون لشراء العملة.

إن كنت ترغب في بيع البيتكوين الآن، فستبحث عن أعلى سعر طلب متاح في السوق.

كمثالنا السابق: إذا كان أعلى سعر طلب للبيتكوين هو 29,900 دولار، فهذا يعني أن أغلى عرض من مشتري موجود حالياً هو 29,900 دولار، وإن كنت موافقاً على هذا السعر يمكنك بيع البيتكوين الخاص بك على الفور.

الفرق بين سعر العرض وسعر الطلب (Spread)

الفرق بين سعر العرض وسعر الطلب (Spread)

الفرق بين سعر العرض وسعر الطلب يُعرف بـ”السبريد” أو “spread”، وهو الفجوة بينهما وأحد المؤشرات الأساسية التي يستخدمها المتداولون لتقييم مدى سيولة السوق.

لكن كيف نحسب السبريد؟ السبريد = سعر العرض – سعر الطلب

في مثالنا السابق كان سعر العرض للبيتكوين هو 30,000 دولار وسعر الطلب هو 29,900 دولار، فإن السبريد سيكون:
30,000 – 29,900 = 100 دولار

لما تحدث الفجوة بين العرض والطلب؟

ينشأ السبريد كنتيجة طبيعية للتفاعل بين العرض والطلب في السوق، حيث يتم تحديد سعر السهم أو الأصل من خلال تجميع أوامر البيع والشراء المقدمة من الأطراف المختلفة.

هذا التفاعل هو ما يخلق السوق ويشكل السعر النهائي. ومع ذلك، غالباً ما يستفيد الوسيط من هذا التفاعل عن طريق أخذ هامش ربح على شكل الفرق بين سعر العرض وسعر الطلب.

يعتمد حجم السبريد بشكل كبير على السيولة المتاحة في السوق؛ ففي الأسواق السائلة التي تتميز بوجود عدد كبير من المشترين والبائعين، يكون أقل بسبب تقارب أسعار العرض والطلب.

أما في الأسواق غير السائلة حيث يكون هناك نقص في المشاركة أو النشاط، يصبح السبريد أوسع.

السبريد المنخفض يعتبر أكثر فائدة للمستثمر لأنه يعني تكاليف معاملات أقل، مما يجعل عمليات التداول أكثر كفاءة وأقل تكلفة.

لذلك، من المهم للمستثمرين البحث عن وسطاء يقدمون أقل فارق سعر أو سبريد، خاصة عند التداول في أسواق تتسم بتقلبات عالية أو سيولة محدودة.

الفرق بين البورصة المركزية والبورصة اللامركزية: أيهما افضل؟

كيف تقرأ الفرق بين العرض والطلب؟

كيف تقرأ الفرق بين العرض والطلب؟

فهم الفرق بين سعر العرض وسعر الطلب يساعد المتداولين على اتخاذ قرارات مدروسة وتحسين استراتيجياتهم وتقليل خسارتهم.

خاصة للمتداولين الذين يعتمدون على استراتيجيات قصيرة الأجل مثل التداول اليومي أو السريع، فكلما ضاق السبريد، كانت تكاليف التداول أقل وفرص تحقيق الربح أكبر.

هناك عدة عوامل تؤثر على السبريد:

التقلبات: تقلبات العملات الرقمية تقدم فرصاً استثنائية للتداول لكنها أحياناً تؤدي إلى توسع السبريد. عدم اليقين بشأن اتجاه السعر على المدى القصير غالباً ما يخلق فجوة أكبر بين سعر العرض وسعر الطلب.

حجم التداول: منصات التداول الصغيرة غالباً ما تشهد سبريدات أوسع، حتى بالنسبة للعملات المشفرة الشهيرة مثل البيتكوين والإيثريوم. السبب هو انخفاض عدد المتداولين النشطين على هذه المنصات.

نوع العملة: العملات الأقل شهرة قد تواجه سبريدات أوسع أيضاً. في هذه الحالة، عدد أقل من المشاركين في السوق يجعل الفجوة بين سعر العرض وسعر الطلب أكبر.

توقيت التداول: غالباً ما تجد سبريدات أضيق خلال ساعات الذروة مثل ساعات العمل. وعلى العكس، فإن أوقات السوق الهادئة مثل عطلات نهاية الأسبوع تشهد عدداً أقل من الصفقات الكبيرة، مما يؤدي غالباً إلى سبريدات أوسع.

السيولة: العملات الرائدة مثل البيتكوين والإيثريوم تتمتع بسيولة أعلى، وهي القدرة على بيع الأصول بسرعة دون خسارة كبيرة، والسيولة الأعلى تقلل عادةً من السبريدات وتجعل الصفقات أكثر كفاءة.

حالة عدم اليقين في السوق: أثناء الأحداث الإخبارية أو التطورات الاقتصادية الكبرى وعندما يكون هناك خوف أو قلق، يتردد المشترون في تقديم أسعار قريبة من السوق، ويصبح البائعون أكثر تحفظاً مما يوسّع الفجوة بين العرض والطلب.

الطلب والعرض: عندما يكون الطلب على أصل مالي مرتفعاً جداً يرتفع سعر الطلب، بينما يبقى سعر العرض ثابتاً أو يرتفع بشكل أقل، مما يؤدي إلى ضيق الفارق.

وعكس ذلك، عندما يكون العرض مرتفعاً جداً ينخفض سعر العرض، بينما يبقى سعر الطلب ثابتاً أو ينخفض بشكل أقل، مما يؤدي إلى اتساع الفارق.

نوع الأوامر: هناك نوعان رئيسيان من الأوامر:

  • الأوامر السوقية (Market Orders): يتم تنفيذها مباشرة بأسعار السوق الحالية.
  • الأوامر المحددة (Limit Orders): يتم تقديمها بسعر معين وتبقى في دفتر الطلبات حتى يتم تنفيذها.

إن كان عدد الأوامر المحددة قليلاً فإن دفتر الطلبات يصبح أقل كثافة، مما يؤدي إلى توسع الفجوة.

كيف يؤثر سعر العرض وسعر الطلب على قراراتك الاستثمارية؟

عندما يتعلق الأمر بقراراتك الاستثمارية، فإن فهم سعر العرض وسعر الطلب يمكن أن يكون الفارق بين صفقة ناجحة وأخرى خاسرة.

لنفرض أنك تخطط لشراء عملة رقمية، ولكنك تلاحظ أن السبريد بين سعر العرض وسعر الطلب كبير جداً. في هذه الحالة، قد تحتاج إلى إعادة التفكير في توقيت الصفقة.

لماذا؟ لأنك إن اشتريت العملة الآن فإنك تدفع سعراً أعلى مما قد يكون متاحاً إذا انتظرت حتى ينخفض السبريد، وبالمثل إن كنت تبيع عملة رقمية فإن البيع في ظروف سبريد واسع يعني أنك قد تخسر جزءاً من الأرباح التي كنت تتوقعها.

هذا الامر لا يعني أنك بحاجة إلى مراقبة الأسعار فقط، بل إلى أن تفكر في “التكلفة الخفية” للتداول أيضاً، فالسبريد ليس مجرد رقم؛ بل تكلفة إضافية تتحملها في كل صفقة تقوم بها.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يساعدك فهم العلاقة بين العرض والطلب في تقييم مدى صحة السوق.

على سبيل المثال، إن لاحظت أن أسعار الطلب ترتفع بسرعة أكبر من أسعار العرض، فقد يكون هذا مؤشراً على أن السوق يشهد طلباً كبيراً وقد يؤدي إلى ارتفاع السعر قريباً.

وعلى العكس إن كانت أسعار العرض تنخفض بسرعة أكبر من أسعار الطلب، فقد يكون هذا علامة على أن السوق يفقد الزخم وقد يؤدي إلى انخفاض السعر.

الآن أنت تتحدث لغة السوق!

الآن وقد عرفت أسرار العرض والطلب، تذكر أن المتداول الذكي لا ينظر فقط إلى السعر الظاهر، بل يقرأ ما بين السطور – أو بالأحرى، ما بين سعري العرض والطلب، وأن كل نقرة على زر”‘شراء فوي”‘ قد تكلفك أكثر مما تتوقع.

كن ذكياً، استخدم أوامر الحد، وراقب السبريد. لأن في عالم التداول، العملات القليلة التي توفرها اليوم قد تصبح آلافاً غداً!

في المرة القادمة التي تدخل فيها صفقة، اسأل نفسك: هل أدفع ثمن السرعة؟ هل أنتظر لأحصل على صفقة أفضل؟ الأجوبة على هذه الأسئلة قد تكون الفارق بين خسارة محققة وربح غير متوقع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *